في الفترة الواقعة ما بين عامي 2017 و2018، كانت خارطة القوى المسيطرة في سوريا تتغير بشكل جذري، حيث تمكنت الحكومة السورية من استعادة مناطق واسعة من سيطرة قوى المعارضة، فيما نجحت قوات سوريا الديمقراطية، وبدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في طرد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) من شمال شرق سوريا. أما تركيا والجماعات المسلحة المعارضة المتحالفة معها فقد قادت عمليتين عسكريتين للسيطرة على الأجزاء الشمالية من البلاد، وتحديداً ريف حلب الشمالي على طول الحدود مع تركيا. وفي الشمال الغربي، أدى تأسيس وتوسيع هيئة تحرير الشام، وهي تحالف بين عدد من الفصائل الجهادية المسلحة، إلى تحول في الهياكل السياسية وطبيعة الحكم في المنطقة. لقد غيرت هذه التطورات وبشكل كامل خارطة السيطرة في سوريا مقارنةً مع ما كان عليه الوضع في عام 2016، وهو ما انعكس بشكل مباشر وغير مباشر على الأوضاع الإنسانية والاجتماعية والسياسية والمدنية هناك. وبطبيعة الحال، تأثرت منظمات المجتمع المدني السورية العاملة في داخل سوريا وخارجها بدورها بهذه التغييرات.
يلقي هذا التقرير الضوء على وضع منظمات المجتمع المدني السورية المتواجدة في مناطق السيطرة المختلفة، وذلك على أساس الخارطة الجغرافية والسياسية الجديدة التي أعيد تشكيلها تحت وطأة هذه التطورات العسكرية. ويستند التقرير إلى البيانات التي تمّ جمعها من خلال مسحٍ بياني أجري في الفترة ما بين أغسطس/آب و ونوفمبر/تشرين الثاني 2018 على منظمات المجتمع المدني التي تملك مقرات عملٍ نشطة في سوريا أو الدول المجاورة لها، حيث شمل هذا المسح في مجمله 514 منظمة مجتمع مدني. وفيما شهدت منظمات المجتمع المدني السورية تزايداً في أعدادها ضمن مناطق معينة، إلا أن النشاط المدني لبعض المنظمات الأخرى شهد انتكاساتٍ وتراجعاً في مناطقَ أخرى بسبب ظروف النزوح والتغيرات في المساحة المتاحة للعمل. ويتضح من خلال البيانات المتوفرة لدينا أنه على الرغم من السعي المتزايد لمنظمات المجتمع المدني لتطوير مستوياتٍ أعلى من الاحترافية والمأسسة في عملها سواء من خلال حصولها على تراخيص العمل بشكل رسمي أو عبر تطوير هياكلها الإدارية والتنظيمية، إلا منظمات المجتمع المدني السورية لا تزال إلى حد كبير صغيرة الحجم كما أن أنشطتها بقيت قائمة على ردود الفعل تجاه الأوضاع الميدانية. إن نظرة فاحصة في البيانات الكمية التي تمّ الحصولُ عليها من خلال هذا المسح تُبيِّن أن غالبية منظمات المجتمع المدني السورية لا تزال تعمل على شكل فرق صغيرة، إذ لا يتجاوز عدد الأعضاء في 77 بالمئة من هذه المنظمات الـ 50 عضواً، ولا تزال هذه المنظمات تعتمد في أنشطتها على التمويل قصير الأجل، ولا تزال استجاباتها مبنيّة على ردود الفعل المباشرة والطارئة تجاه الأوضاع الطارئة في الميدان. وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من الجهود المُكثَّفة المبذولة في مجالات بناء القدرات ودعم المجتمع المدني، إلا أن المنظمات السورية لا تزال تفتقر إلى القدرات والمؤهلات المطلوبة لتنفيذ أنشطتها وتدخلاتها بالكفاءة والفعالية المطلوبة.